صور رقم الدفاع المدني اللبناني

خطب الشيخ الحقيل

لقد نشأ كما نشأ كثيرٌ من العلماء فقيرًا معدمًا، وأشبهت حياته حياة الإمام البخاري من جهة الاهتمام بالحديث، ومن جهة الأصل الأعجمي في كلا الاثنين؛ فالبخاريُّ من بُخارى، والألبانيُّ من ألبانيا، وكلتاهما غير عربيَّتَيْن. يقول الشيخ الألباني رحمه الله تعالى: "إن نِعَم الله عليَّ كثـيرةٌ، لا أُحصي لها عدًّا، ولعلَّ من أهمها اثنتين: هجرة والدي إلى الشام، ثم تعليمه إيَّايَ مهنته في إصلاح الساعات. أما الأولى: فقد يَسَّرَتْ لي تعلم العربية، ولو ظللنا في ألبانيا؛ لما توقَّعْتُ أن أتعلَّم منها حرفًا، ولا سبيل إلى كتاب الله وسُنَّة رسوله صلَّى الله عليه وسلَّم إلاَّ عن طريق العربية، وأما الثانية: فقد قيَّضَتْ لي فراغًا من الوقت أملؤه بطلب العلم، فأتاحت لي فرص التجارة، التي لو حاولت التَّدريب عليها أولاً؛ لالتَهَمَتْ وقتي كلَّه، وبالتالي لسدَّت بوجهي سُبُلَ العلم الذي لابدَّ لطالبه منَ التفرُّغ"[2]. وكان سبب هجرة والده من ألبانيا الأعجمية إلى بلاد الشام العربية هي: أن حاكم ألبانيا آنذاك أراد عَلْمَنَة البلاد بالقوَّة، وأمر بنزع الحجاب عن النِّساء، واتِّباع الغربيِّين في لبسهم، وجميع شؤونهم؛ فكانت هذه الهجرة خيرًا للشيخ؛ إذ تعلَّم علوم السُّنة النبوية، ولم تكن كُتُبها موجودةٌ في مكتبة والده الممتلئة بكتب فقهاء الحنفية، فما كان منه إلا أن لزم المكتبة الظَّاهرية في الجامع الأُمَوي، يقضي فيها كلَّ يومٍ ما بين ست إلى عشر ساعات، ثم زاد اهتمامه وشغفه بالمطالعة والبحث، حتى كان يقضي فيها ثِنْتَي عشرة ساعة، يدخلها قبل دخول الموظفين، ويبقى فيها إلى صلاة العشاء، وكم من مرَّةٍ قضى ليله كلُّه فيها، أغلقوا عليه الباب وأتوه في الصباح!!

بنات شرم الشيخ

  • بنات شرم الشيخ
  • الشيخ رافت حسين سورة الرحمن
  • الشيخ محمود القزاز
  • خطب الشيخ الحقيل
  • الشيخ السيد متولى سورة
شركات شرم الشيخ

وهذه النِّهْمة في الطَّلب والبحث تذكِّرُنا بفعل السَّلف الصالح - رحمهم الله تعالى ورضي عنهم. ولم يكتفِ الشيخ - رحمه الله - بذلك؛ بل أزعجه أنه لا يستطيع المطالعة والبحث إلاَّ في أوقات عمل المكتبة، وليس عنده منَ المال ما يشتري به الكتب؛ فاتَّفق مع صاحب كُبريات المكتبات التجارية في دمشق على أن يستعير منه بعض الكتاب، ويرجعها حال انتهائه منها، وإن جاء مَنْ يرغب شرائها أعادها فورًا، وبهذا صار يقضي جلَّ وقته مع كتب الحديث وعلومه[3]. ما منعه الفقر من طلب العلم، ولا ردَّه عدم امتلاكه للكتب عن مطالعتها؛ بل اخترع الطرق والأساليب التي جعلته لصيقًا بالكتب. ومن عجيب أخباره رحمه الله تعالى: أنه ما كان يجد قيمة الورق الذي يكتب فيه أبحاثه؛ فكان يطوف في الشوارع والأزقَّة؛ يبحث عن الأوراق السَّاقطة فيها هنا وهناك؛ ليكتب على ظهرها؛ لأن وجه الورقة عادةً يكون مليئًا بالكتابة! وقال رحمه الله تعالى: "كنت أشتري الأوراق بالوزن لرخصه"[4]. الله أكبر! همـة عالية، وشغفٌ بطلب العلم وتدوينه، ما قعد واعتذر بالفقر، ولا ضيَّع وقته كما كان يفعل كثير من أقرانه؛ بل جدَّ في الطَّلب، واجتهد وثابر؛ حتى كان حصيلة ذلك عشرات الكتب النافعة في تخريج حديث رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم وخدمته، وتيسير وصول الطلاب إليه بصنع الفهارس المتعدِّدة، والذبِّ عن السُّنَّة النبويَّة، والوقوف في وجوه المشكِّكين فيها، وتنقية الكتب من الأحاديث الضعيفة والموضوعة، وبيان المقبول والمردود من الحديث، ومَنْ ذبَّ عن سنَّة نبيِّه صلَّى الله عليه وسلَّم ذبَّ الله عن وجهه النار يوم القيامة.

الشيخ عبدالعظيم العطوانى الشيخ رافت